فصل: تفسير الآية رقم (7):

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: الجامع لأحكام القرآن والمبين لما تضمنه من السنة وآي الفرقان المشهور بـ «تفسير القرطبي»



.سورة الشورى:

سورة الشورى مكية في قول الحسن وعكرمة وعطاء وجابر. وقال ابن عباس وقتادة: إلا أربع آيات منها أنزلت بالمدينة: {قُلْ لا أَسْئَلُكُمْ عَلَيْهِ أَجْراً إِلَّا الْمَوَدَّةَ فِي الْقُرْبى} [الشورى: 23] إلى آخرها. وهي ثلاث وخمسون آية.

.تفسير الآيات (1- 4):

{حم (1) عسق (2) كَذلِكَ يُوحِي إِلَيْكَ وَإِلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكَ اللَّهُ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ (3) لَهُ ما فِي السَّماواتِ وَما فِي الْأَرْضِ وَهُوَ الْعَلِيُّ الْعَظِيمُ (4)}
قوله تعالى: {حم عسق} قال عبد المؤمن: سألت الحسين بن الفضل: لم قطع {حم} من {عسق} ولم تقطع {كهيعص} و{المر} و{المص}؟ فقال: لأن {حم عسق} بين سور أولها {حم} فجرت مجرى نظائرها قبلها وبعدها، فكأن {حم} مبتدأ و{عسق} خبره. ولأنها عدت آيتين، وعدت أخواتها اللواتي كتبت جملة آية واحدة.
وقيل: إن الحروف المعجمة كلها في معنى واحد، من حيث إنها أس البيان وقاعدة الكلام، ذكره الجرجاني. وكتبت {حم عسق} منفصلا و{كهيعص} متصلا لأنه قيل: حم، أي حم ما هو كائن، ففصلوا بين ما يقدر فيه فعل وبين ما لا يقدر. ثم لو فصل هذا ووصل ذا لجاز، حكاه القشيري.
وفي قراءة ابن مسعود وابن عباس {حم سق} قال ابن عباس:
وكان علي رضي الله عنه يعرف الفتن بها.
وقال أرطاة بن المنذر: قال رجل لابن عباس وعنده حذيفة بن اليمان: أخبرني عن تفسير قوله تعالى: {حم عسق}؟ فأعرض عنه حتى أعاد عليه ثلاثا فأعرض عنه. فقال حذيفة بن اليمان: أنا أنبئك بها، قد عرفت لم تركها، نزلت في رجل من أهل بيته يقال له عبد الاله أو عبد الله، ينزل على نهر من أنهار المشرق، يبني عليه مدينتين يشق النهر بينهما شقا، فإذا أراد الله زوال ملكهم وانقطاع دولتهم، بعث على إحداهما نارا ليلا فتصبح سوداء مظلمة، فتحرق كلها كأنها لم تكن مكانها، فتصبح صاحبتها متعجبة، كيف قلبت! فما هو إلا بياض يومها حتى يجتمع فيها كل جبار عنيد، ثم يخسف الله بها وبهم جميعا، فذلك قوله: {حم عسق} أي عزمة من عزمات الله، وفتنة وقضاء حم: حم. {ع}: عدلا منه، {س}: سيكون، {ق}: واقع في هاتين المدينتين. ونظير هذا التفسير ما روى جرير بن عبد الله البجلي قال: سمعت رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يقول: «تبنى مدينة بين دجلة ودجيل وقطربل والصراة، يجتمع فيها جبابرة الأرض تجبى إليها الخزائن يخسف بها- وفي رواية بأهلها- فلهي أسرع ذهابا في الأرض من الوتد الجيد في الأرض الرخوة». وقرأ ابن عباس {حم سق} بغير عين. وكذلك هو في مصحف عبد الله بن مسعود، حكاه الطبري.
وروى نافع عن ابن عباس: الحاء حلمه، والميم مجده، والعين علمه، والسين سناه، والقاف قدرته، أقسم الله بها. وعن محمد بن كعب: أقسم الله بحلمه ومجده وعلوه وسناه وقدرته ألا يعذب من عاذ بلا إله إلا الله مخلصا من قلبه.
وقال جعفر بن محمد وسعيد بن جبير: الحاء من الرحمن، والميم من المجيد، والعين من العليم، والسين من القدوس، والقاف من القاهر.
وقال مجاهد: فواتح السور.
وقال عبد الله بن بريدة: إنه اسم الجبل المحيط بالدنيا. وذكر القشيري واللفظ للثعلبي: أن النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لما نزلت هذه الآية عرفت الكآبة في وجهه، فقيل له: يا رسول الله، ما أحزنك؟ قال: «أخبرت ببلايا تنزل بأمتي من خسف وقذف ونار تحشرهم وريح تقذفهم في البحر وآيات متتابعات متصلات بنزول عيسى وخروج الدجال». والله أعلم.
وقيل: هذا في شأن النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ف الحاء حوضه المورود، والميم ملكه الممدود، والعين عزه الموجود، والسين سناه المشهود، والقاف قيامه في المقام المحمود، وقربه في الكرامة من الملك المعبود.
وقال ابن عباس: ليس من نبي صاحب كتاب إلا وقد أوحي إليه: {حم عسق}، فلذلك قال: {يوحي إليك وإلى الذين من قبلك} المهدوي: وقد جاء في الخبر أن {حم عسق} معناه أوحيت إلى الأنبياء المتقدمين. وقرأ ابن محيصن وابن كثير ومجاهد {يوحى} بفتح الحاء على ما لم يسم فاعله، وروي عن ابن عمر. فيكون الجار والمجرور في موضع رفع لقيامه مقام الفاعل. ويجوز أن يكون اسم ما لم يسم فاعله مضمرا، أي يوحى إليك القرآن الذي تضمنته هذه السورة، ويكون اسم الله مرفوعا بإضمار فعل، التقدير: يوحيه الله إليك، كقراءة ابن عامر وأبي بكر {يُسَبِّحُ لَهُ فِيها بِالْغُدُوِّ وَالْآصالِ رِجالٌ} [النور: 37- 36] أي يسبحه رجال. وأنشد سيبويه:
ليبك يزيد ضارع بخصومة ** وأشعث ممن طوحته الطوائح

فقال: لبيك يزيد، ثم بين من ينبغي أن يبكيه، فالمعنى يبكيه ضارع. ويجوز أن يكون مبتدأ والخبر محذوف، كأنه قال: الله يوحيه. أو على تقدير إضمار مبتدأ أي الموحي الله. أو يكون مبتدأ والخبر {الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ}. وقرأ الباقون {يوحي إليك} بكسر الحاء، ورفع الاسم على أنه الفاعل. {لَهُ ما فِي السَّماواتِ وَما فِي الْأَرْضِ وَهُوَ الْعَلِيُّ الْعَظِيمُ} تقدم في غير موضع.

.تفسير الآية رقم (5):

{تَكادُ السَّماواتُ يَتَفَطَّرْنَ مِنْ فَوْقِهِنَّ وَالْمَلائِكَةُ يُسَبِّحُونَ بِحَمْدِ رَبِّهِمْ وَيَسْتَغْفِرُونَ لِمَنْ فِي الْأَرْضِ أَلا إِنَّ اللَّهَ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ (5)}
قوله تعالى: {تَكادُ السَّماواتُ} قراءة العامة بالتاء. وقرأ نافع وابن وثاب والكسائي بالياء. {يتفطرن} قرأ نافع وغيره بالياء والتاء والتشديد في الطاء، وهي قراءة العامة. وقرأ أبو عمرو وأبو بكر والمفضل وأبو عبيد {ينفطرن} من الانفطار، كقول تعالى: {إِذَا السَّماءُ انْفَطَرَتْ} [الانفطار: 1] وقد مضى في سورة مريم بيان هذا.
وقال ابن عباس: {تَكادُ السَّماواتُ يَتَفَطَّرْنَ} أي تكاد كل واحدة منها تنفطر فوق التي تليها، من قول المشركين: {اتَّخَذَ اللَّهُ وَلَداً} [البقرة: 116].
وقال الضحاك والسدي: {يَتَفَطَّرْنَ} أي يتشققن من عظمة الله وجلاله فوقهن.
وقيل: {فَوْقِهِنَّ}، فوق الأرضين من خشية الله لو كن مما يعقل. قوله تعالى: {وَالْمَلائِكَةُ يُسَبِّحُونَ بِحَمْدِ رَبِّهِمْ} أي ينزهونه عما لا يجوز في وصفه، وما لا يليق بجلاله. وقيل يتعجبون من جرأة المشركين، فيذكر التسبيح في موضع التعجب. وعن علي رضي الله عنه: أن تسبيحهم تعجب مما يرون من تعرضهم لسخط الله.
وقال ابن عباس: تسبيحهم خضوع لما يرون من عظمة الله. ومعنى {بِحَمْدِ رَبِّهِمْ} بأمر ربهم، قاله السدي. {وَيَسْتَغْفِرُونَ لِمَنْ فِي الْأَرْضِ} قال الضحاك: لمن في الأرض من المؤمنين، وقاله السدي. بيانه في سورة المؤمن: {وَيَسْتَغْفِرُونَ لِلَّذِينَ آمَنُوا} [غافر: 7]. وعلى هذا تكون الملائكة هنا حملة العرش.
وقيل: جميع ملائكة السماء، وهو الظاهر من قول الكلبي.
وقال وهب ابن منبه: هو منسوخ بقوله: {وَيَسْتَغْفِرُونَ لِلَّذِينَ آمَنُوا}. قال المهدوي: والصحيح أنه ليس بمنسوخ، لأنه خبر، وهو خاص للمؤمنين.
وقال أبو الحسن الماوردي عن الكلبي: ان الملائكة لما رأت الملكين اللذين اختبرا وبعثا إلى الأرض ليحكما بينهم، فافتتنا بالزهرة وهربا إلى إدريس- وهو جد أبي نوح عليهما السلام- وسألاه أن يدعو لهما، سبحت الملائكة بحمد ربهم واستغفرت لبني آدم. قال أبو الحسن بن الحصار: وقد ظن بعض من جهل أن هذه الآية نزلت بسبب هاروت وماروت، وأنها منسوخة بالآية التي في المؤمن، وما علموا أن حملة العرش مخصوصون بالاستغفار للمؤمنين خاصة، ولله ملائكة أخر يستغفرون لمن في الأرض. الماوردي: وفي استغفارهم لهم قولان: أحدهما- من الذنوب والخطايا، وهو ظاهر قول مقاتل.
الثاني- أنه طلب الرزق لهم والسعة عليهم، قاله الكلبي. قلت: وهو أظهر، لان الأرض تعم الكافر وغيره، وعلى قول مقاتل لا يدخل فيه الكافر. وقد روي في هذا الباب خبر رواه عاصم الأحول عن أبي عثمان عن سلمان قال: إن العبد إذا كان يذكر الله في السراء فنزلت به الضراء قالت الملائكة: صوت معروف من آدمي ضعيف، كان يذكر الله تعالى في السراء فنزلت به الضراء، فيستغفرون له. فإذا كان لا يذكر الله في السراء فنزلت به الضراء قالت الملائكة: صوت منكر من آدمي كان لا يذكر الله في السراء فنزلت به الضراء، فلا يستغفرون. وهذا يدل على أن الآية في الذاكر لله تعالى في السراء والضراء، فهي خاصة ببعض من في الأرض من المؤمنين. والله أعلم. يحتمل أن يقصدوا بالاستغفار طلب الحلم والغفران في قوله تعالى: {إِنَّ اللَّهَ يُمْسِكُ السَّماواتِ وَالْأَرْضَ أَنْ تَزُولا} [فاطر: 41] إلى أن قال: {إِنَّهُ كانَ حَلِيماً غَفُوراً}، وقوله تعالى: {وَإِنَّ رَبَّكَ لَذُو مَغْفِرَةٍ لِلنَّاسِ عَلى ظُلْمِهِمْ} [الرعد: 6]. والمراد الحلم عنهم وألا يعالجهم بالانتقام، فيكون عاما، قاله الزمخشري.
وقال مطرف: وجدنا أنصح عباد الله لعباد الله الملائكة، ووجدنا أغش عباد الله لعباد الله الشياطين. وقد تقدم. {أَلا إِنَّ اللَّهَ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ} قال بعض العلماء: هيب وعظم عز وجل في الابتداء، وألطف وبشر في الانتهاء.

.تفسير الآية رقم (6):

{وَالَّذِينَ اتَّخَذُوا مِنْ دُونِهِ أَوْلِياءَ اللَّهُ حَفِيظٌ عَلَيْهِمْ وَما أَنْتَ عَلَيْهِمْ بِوَكِيلٍ (6)}
قوله تعالى: {وَالَّذِينَ اتَّخَذُوا مِنْ دُونِهِ أَوْلِياءَ} يعني أصناما يعبدونها. {اللَّهُ حَفِيظٌ عَلَيْهِمْ} أي يحفظ أعمالهم ليجازيهم بها. {وَما أَنْتَ عَلَيْهِمْ بِوَكِيلٍ} وهذه منسوخة بآية السيف.
وفي الخبر: «أطت السماء وحق لها أن تئط» أي صوتت من ثقل سكانها لكثرتهم، فهم مع كثرتهم لا يفترون عن عبادة الله، وهؤلاء الكفار يشركون به.

.تفسير الآية رقم (7):

{وَكَذلِكَ أَوْحَيْنا إِلَيْكَ قُرْآناً عَرَبِيًّا لِتُنْذِرَ أُمَّ الْقُرى وَمَنْ حَوْلَها وَتُنْذِرَ يَوْمَ الْجَمْعِ لا رَيْبَ فِيهِ فَرِيقٌ فِي الْجَنَّةِ وَفَرِيقٌ فِي السَّعِيرِ (7)}
قوله تعالى: {وَكَذلِكَ أَوْحَيْنا إِلَيْكَ قُرْآناً عَرَبِيًّا} أي وكما أوحينا إليك وإلى من قبلك هذه المعاني فكذلك أوحينا إليك قرآنا عربيا بيناه بلغة العرب.
وقيل: أي أنزلنا عليك قرآنا عربيا بلسان قومك، كما أرسلنا كل رسول بلسان قومه. والمعنى واحد. {لِتُنْذِرَ أُمَّ الْقُرى} يعني مكة. قيل لمكة أم القرى لان الأرض دحيت من تحتها. {وَمَنْ حَوْلَها} من سائر الخلق. {وَتُنْذِرَ يَوْمَ الْجَمْعِ} أي بيوم الجمع، وهو يوم القيامة. {لا رَيْبَ فِيهِ} لا شك فيه. {فَرِيقٌ فِي الْجَنَّةِ وَفَرِيقٌ فِي السَّعِيرِ} ابتداء وخبر. وأجاز الكسائي النصب على تقدير: لتنذر فريقا في الجنة وفريقا في السعير.

.تفسير الآية رقم (8):

{وَلَوْ شاءَ اللَّهُ لَجَعَلَهُمْ أُمَّةً واحِدَةً وَلكِنْ يُدْخِلُ مَنْ يَشاءُ فِي رَحْمَتِهِ وَالظَّالِمُونَ ما لَهُمْ مِنْ وَلِيٍّ وَلا نَصِيرٍ (8)}
قوله تعالى: {وَلَوْ شاءَ اللَّهُ لَجَعَلَهُمْ أُمَّةً واحِدَةً} قال الضحاك: أهل دين واحد، أهل ضلالة أو أهل هدى. {وَلكِنْ يُدْخِلُ مَنْ يَشاءُ فِي رَحْمَتِهِ} قال أنس بن مالك: في الإسلام. {وَالظَّالِمُونَ} رفع على الابتداء، والخبر {ما لَهُمْ مِنْ وَلِيٍّ وَلا نَصِيرٍ} عطف على اللفظ. ويجوز {وَلا نَصِيرٍ} بالرفع على الموضع و{مَنْ} زائدة.

.تفسير الآية رقم (9):

{أَمِ اتَّخَذُوا مِنْ دُونِهِ أَوْلِياءَ فَاللَّهُ هُوَ الْوَلِيُّ وَهُوَ يُحْيِ الْمَوْتى وَهُوَ عَلى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ (9)}
قوله تعالى: {أَمِ اتَّخَذُوا} أي بل اتخذوا. {مِنْ دُونِهِ أَوْلِياءَ} يعني أصناما. {فَاللَّهُ هُوَ الْوَلِيُّ} أي وليك يا محمد وولي من اتبعك، لا ولي سواه. {وَهُوَ يُحْيِ الْمَوْتى} يريد عند البعث. {وَهُوَ عَلى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ} وغيره من الأولياء لا يقدر على شي.

.تفسير الآية رقم (10):

{وَمَا اخْتَلَفْتُمْ فِيهِ مِنْ شَيْءٍ فَحُكْمُهُ إِلَى اللَّهِ ذلِكُمُ اللَّهُ رَبِّي عَلَيْهِ تَوَكَّلْتُ وَإِلَيْهِ أُنِيبُ (10)}
قوله تعالى: {وَمَا اخْتَلَفْتُمْ فِيهِ مِنْ شَيْءٍ} حكاية قول رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ للمؤمنين، أي وما خالفكم فيه الكفار من أهل الكتاب والمشركين من أمر الدين، فقولوا لهم حكمه إلى الله لا إليكم، وقد حكم أن الدين هو الإسلام لا غيره. وأمور الشرائع إنما تتلقى من بيان الله. {ذلِكُمُ اللَّهُ رَبِّي} أي الموصوف بهذه الصفات هو ربي وحده، وفية إضمار: أي قل لهم يا محمد ذلكم الله الذي يحيي الموتى ويحكم بين المختلفين هو ربي. {عَلَيْهِ تَوَكَّلْتُ} اعتمدت. {وَإِلَيْهِ أُنِيبُ} أرجع.